سورة القصص - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً} قالت قريش: نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك أن يتخطفونا من أرضنا، فألقمهم الله الحجر بأنه مكن لهم في الحرم الذي أمنه بحرمة البيت وأمن قطانه بحرمته، والثمرات تجبى إليه من كل أوب وهم كفرة، فأنّى يستقيم أن يعرضهم للتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام؟ وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز {يجبى إِلَيْهِ} وبالتاء: مدني ويعقوب وسهل أي تجلب وتجمع {ثَمَرَاتُ كُلّ شَئ} معنى الكلية الكثرة كقوله {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَئ} [النمل: 23] {رّزْقاً مّن لَّدُنَّا} هو مصدر لأن معنى {يجبى إليه} يرزق أو مفعول له أو حال من الثمرات إن كان بمعنى مرزوق لتخصصها بالإضافة كما تنصب عن النكرة المتخصصة بالصفة {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} متعلق ب {من لدنا} أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك، ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن من عنده ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم بإنعام الله عليهم فلم يشكروا النعمة وقابلوها بالبطر فأهلكوا. و{كم} نصب ب {أهلكنا} و{معيشتها} بحذف الجار وإيصال الفعل أي في معيشتها، والبطر سوء احتمال الغني وهو أن لا يحفظ حق الله فيه {فَتِلْكَ مساكنهم} منازلهم باقية الآثار يشاهدونها في الأسفار كبلاد ثمود وقوم شعيب وغيرهم {لَمْ تُسْكَن} حال والعامل فيها الإشارة {مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً} من السكنى أي لم يسكنها إلا المسافر ومار الطريق يوماً أو ساعة {وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} لتلك المساكن من ساكنيها أي لا يملك التصرف فيها غيرنا.


{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى} في كل وقت {حتى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا} وبكسر الهمزة: حمزة وعلي أي في القرية التي هي أمها أي أصلها ومعظمها {رَسُولاً} لإلزام الحجة وقطع المعذرة أو وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعني مكة لأن الأرض دحيت من تحتها رسولاً، يعني محمداً عليه السلام {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي القرآن {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} أي وما أهلكناهم للانتقام إلا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم وهو إصرارهم على كفرهم وعنادهم ومكابرتهم بعد الاعذار إليهم {وَمَا أُوتِيتُم مّن شَئ فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} وأي شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياماً قلائل وهي مدة الحياة الفانية {وَمَا عِندَ الله} وهو ثوابه {خَيْرٌ} في نفسه من ذلك {وأبقى} لأنه دائم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن الباقي خير من الفاني. وخيّر أبو عمرو بين الياء والتاء والباقون بالتاء لا غير. وعن ابن عباس رضي الله عنهما. إن الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف: المؤمن والمنافق والكافر. فالمؤمن يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع.
ثم قرر هذه الآية بقوله:
{أَفَمَن وعدناه وَعْداً حَسَناً} أي الجنة فلا شيء أحسن منها لأنها دائمة ولذا سميت الجنة بالحسنى {فَهُوَ لاَقِيهِ} أي رائيه ومدركه ومصيبه {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} من الذين أحضروا النار ونحوه فكذبوه فإنهم لمحضرون. نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل لعنه الله، أو في علي وحمزة وأبي جهل، أو في المؤمن والكافر، ومعنى الفاء الأولى أنه لما ذكر التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله عقبه بقوله {أفمن وعدناه} أي أبعد هذا التفاوت الجلي يسوي بين أبناء الدنيا وأبناء الآخرة، والفاء الثانية للتسبيب لأن لقاء الموعود مسبب عن الوعد. و(ثم) لتراخي حال الإحضار عن حال التمتع ثم هو عليّ كما قيل عضدّ في عضد شبه المنفصل بالمتصل.


{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} ينادي الله الكفار نداء توبيخ وهو عطف على {يَوْمُ القيامة} أو منصوب ب (اذكر) {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ} بناء على زعمهم {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ومفعولا {تزعمون} محذوفان تقديره: كنتم تزعمونهم شركائي، ويجوز حذف المفعولين في باب ظننت ولا يجوز الاقتصار على أحدهما {قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي الشياطين أو أئمة الكفر. ومعنى حق عليهم القول وجب عليه مقتضاه وثبت وهو قوله: {لأمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] {رَبَّنَا هَؤُلاء} مبتدأ {الذين أَغْوَيْنَا} أي دعوناهم إلى الشرك وسولنا لهم الغي صفة والراجع إلى الموصول محذوف والخبر {أغويناهم} والكاف في {كَمَا غَوَيْنَا} صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغووا غياً مثل ما غوينا يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً فلا فرق إذاً بين غينا وغيهم، وإن كان تسويلنا داعياً لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب وهو كقوله {وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الامر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} إلى قوله {وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22] {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} منهم ومما اختاروه من الكفر {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} بل يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم، وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11